بسم الله الرحمن الرحيم ،
(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)) "سورة يونس"
إن الشعور بالله على النحو الذي تصوره الآية الأولى من هذا السياق:
وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن , ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه . . شعور مطمئن ومخيف معاً , مؤنس ومرهب معاً . . وكيف بهذا المخلوق البشري وهو مشغول بشأن من شؤونه يحس أن الله معه , شاهدً أمره وحاضر شأنه . الله بكل عظمته , وبكل هيبته , وبكل جبروته , وبكل قوته . الله خالق هذا الكون وهو عليه هين . ومدبر هذا الكون ما جل منه وما هان . . الله مع هذا المخلوق البشري . الذرة التائهة في الفضاء لولا عناية الله تمسك بها وترعاها ! إنه شعور رهيب . ولكنه كذلك شعور مؤنس مطمئن . إن هذه الذرة التائهة ليست متروكة بلا رعاية ولا معونة ولا ولاية . . إن الله معها:
(وما تكون في شأن , وما تتلو منه من قرآن , ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه . .)
إنه ليس شمول العلم وحده , ولكن شمول الرعاية , ثم شمول الرقابة . .
(وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين). .
ويسبح الخيال مع الذرات السابحة في الأرض أو في السماء - ومعها علم الله - ومع ما هو أصغر من الذرة وأكبر محصوراً في علم الله . . ويرتعش الوجدان إشفاقاً ورهبة , ويخشع القلب إجلالاً وتقوى , حتى يطامن الإيمان من الروعة والرهبة ; ويهدهد القلب الواجف بأنس القرب من الله .
وفي ظل هذا الأنس , وفي طمأنينة هذا القرب . . يأتي الإعلان الجاهر:
(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لا تبديل لكلمات الله . ذلك هو الفوز العظيم). .
وكيف يخاف أولياء الله أو يحزنون والله معهم هكذا في كل شأن وفي كل عمل وفي كل حركة أو سكون ? وهم أولياء الله , المؤمنون به الأتقياء المراقبون له في السر والعلن:
(الذين آمنوا وكانوا يتقون). .
كيف يخافون وكيف يحزنون , وهم على اتصال بالله لأنهم أولياؤه ? وعلام يحزنون ومم يخافون , والبشرى لهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ? إنه الوعد الحق الذي لا يتبدل - لا تبديل لكلمات الله -:
(ذلك هو الفوز العظيم). .
إن أولياء الله الذين يتحدث عنهم السياق هم المؤمنون حق الإيمان المتقون حق التقوى . والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل . والعمل هو تنفيذ ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه . . هكذا يجب أن نفهم معنى الولاية لله . لا كما يفهمه العوام , من أنهم المهبولون المخبولون الذين يدعونهم بالأولياء !
نقلته .. من كتاب في ظلال القرآن
للأستاذ / سيد قطب - رحمه الله -
نفعنا الله وإياكم .. بالقرآن العظيم